⚫لم يكن قرار نقل العاصمة الإدارية لمصر خارج الكتلة السكنية المزدحمة فى وسط القاهرة هو الأول من نوعه، بل سبقها عدد من الدول التى فضلت الابتعاد عن ازدحام المدينة، بحثا عن مكان جديد يجمع مؤسسات الدولة، ويوفر لهم الهدوء لإدارة البلاد، وتظل مصر حتى الآن هى صاحبة التجربة الأولى فى نقل العواصم الإدارية.
المصدر
◼فبينما نجحت دول مثل البرازيل، وكازاخستان وماليزيا ونيجيريا، كانت تجارب دول مثل تنزانيا وكوت ديفوار أقل نجاحاً لهيمنة المدينة الكبرى على مقدرات الحياة فى البلدين، وفى الوقت الذى تتأهب فيه عدة دول أخرى، مثل إيران، لنقل عاصمتها من طهران بسبب الهواجس النووية، تسارعت دعوات لنقل العاصمة المغربية إلى مدينة فاس التاريخية وإعادة الاعتبار لها. وتأتى البرازيل على رأس الدول التى حققت نجاح نقل العاصمة بها، فعندما تولى كوبيتشيك رئاسة دولة البرازيل سنة 1956 قرر بناء عاصمة جديدة وسط البلاد، ونقل السلطة السياسية من «ريو دى جانيرو» إلى «برازيليا»، لتكون العاصمة الثالثة للبرازيل بعد أن كانت مدينة «سلفادور» هى الأولى.
◼كان الهدف من إنشاء عاصمة إدارية جديدة للبرازيل يتمثل بالأساس فى توزيع أفضل للثروة والسكان المتمركزين بشكل كبير على السواحل، وتم افتتاح العاصمة الجديدة وقتها فى 21 إبريل 1961 لتكون مقرا للعديد من الإدارات والمنظمات الحكومية، واضطر الموظفون إلى مغادرة «ريو دى جانيرو» بالإجبار إلى درجة أن البعض منهم رفض قرارات نقلهم لارتباطهم بالحياة فى عاصمتهم السابقة.
◼وتعد تجربة ماليزيا هى الأقرب من تجربة مصر، حيث اضطرت الحكومة إلى نقل بعض مقارها الإدارية والوزارات من العاصمة كوالالمبور إلى مدينة بوتراجايا، عام 1999، بسبب الازدحام والتكدس المرورى،
◼فى حين ظلت كوالالمبور العاصمة الرسمية للبلاد. ونأتى لباكستان التى تحولت عاصمتها الإدارية من كراتشى إلى إسلام أباد، فقد كانت مدينة كراتشى، العاصمة الأولى، ورغم أنها تمتاز بأنها من أكبر المدن الباكستانية مساحة وسكانا، وتعتبر مركزا ماليا، إلا أن السلطات قررت أن إسلام أباد، التى تأسست عام 1960، أن تكون العاصمة الجديدة للبلاد، بدلا من كراتشى عام 1963.
◼وفى نيجيريا، تم التخطيط لمدينة أبوجا، وبدأ إنشاؤها فى ثمانينيات القرن الماضى، وأصبحت عاصمة نيجيريا الرسمية فى 12 ديسمبر 1991، إلا أن بعض أجزاء المدينة لم يتم بناؤها، كما هو مخطط لها بعد، والعديد من المبانى لم تكتمل حتى الآن، وكان أحد أهم أسباب اختيار أبوجا عاصمة للبلاد ازدحام لاجوس بالسكان.
◼وتعد روسيا هى الأشهر على الإطلاق فى تجربة نقل العاصمة، موسكو، إلى مدينة سان بيترسبرج، عام 1712، ثم عودتها مرة أخرى إلى موسكو عام 1918، خلال الحرب العالمية الأولى، فمنذ القرن الـ14 وحتى 1971، ظلت عاصمة الإمبراطورية الروسية هى موسكو، إلى أن تم نقلها إلى مدينة سانت بيترسبرج، حتى تكون أقرب إلى أوروبا، بهدف جعل روسيا «غربية» بدرجة أكبر، حتى تم إعادة العاصمة إلى موسكو عام 1918.
◼وفى كوت ديفوار، تعد أبيدجان أهم مدن كوت ديفوار- ساحل العاج سابقا، ويعتقد كثيرون أنها عاصمة البلاد، على الرغم من أنه تم تغيير العاصمة منذ 32 عاما، وذلك بعد أن قرر زعيم استقلال البلاد، فليكس هوفويت بونييه، بناء عاصمة جديدة، فى مسقط رأسه، فأصبحت ياموسوكرو- عاصمة البلاد عام 1983، إلا أنه لم يتمكن من نقل كل مصالح الدولة ومقارها الحكومية إلى ياموسوكرو، فظلت أبيدجان على الأرض عاصمة فعلية للبلاد بحكم اعتبارات التاريخ والجغرافيا والسكان.
◼وفى ثمانينيات القرن الماضى، قررت تنزانيا نقل عاصمتها من دارالسلام، إلى دودوما، بهدف تسهيل تواصل المركز مع الأطراف، بما يحقق للحكومة قدرا أكبر من المرونة فى التعاطى مع كافة قضايا الدولة وعلى رأسها الأوضاع الطارئة، وفى عام 1973 تم إجراء استفتاء لنقل العاصمة الإدارية، وعلى الرغم من وضع موعد محدد للإنتهاء من انشاء العاصمة الإدارية، فى عام 2005، إلا أن هذا التدرج الشديد أيضا أدى لإهمال العاصمة الجديدة.
◼وتعد كازاخستان هى الأكثر نجاحا فى تجربتها من عاصمة آلماتا إلى أكمولا، منذ 18 عاما، حيث كانت عاصمة كازاخستان هى آلماتا، وكان هناك أرض خالية شبه صحراوية، فى وسط البلاد، تطل على نهر «إيشيم»، تعرف باسم «أكمولا».